ناشيونال جيوغرافيك - National Geoghraphic
بقلم : راسم المدهون
تحتل فضائية «ناشيونال جيوغرافيك» مكانتها الخاصة في ازدحام الفضاء العربي. هي لا تقدم ما يشبه برامج الآخرين ولا اهتماماتها، وتميزها لا يقع في هذا الجانب فحسب، ولكن بالتحديد في كون اختلافها يأتي مفيداً ويشتمل على عقلية أخرى غير تلك الرائجة بتلاوينها وصفاتها كلها.
في «ناشيونال جيوغرافيك» بحث جدي وجميل عن الحقيقة: الحقيقة هنا تعني ما ينفع الناس في حياتهم وما يجعل تلك الحياة قابلة للتطور في شكل مستمر. ذلك يعني أن برامجها تنفتح على مروحة واسعة من الموضوعات والعلوم وفنون البناء والاختراعات، على أنّ الأهم في كل ذلك أنها برامج تنتمي الى العلم في لغته التجريبية التي لا تركن الى لحظة تهويم خارج شروطه وقوانينه، بل الانسجام مع تلك الشروط وما تفترضه من قناعات قابلة للتطور ولا تقف عند حد.
نتحدث عن الفائدة فتحضر الى الذهن في صورة تلقائية فكرة أن التلفزيون ليس مضموناً وحسب، فبرامج القناة وما تقدمه من معلومات ومن دراسات مصورة لم يكن لها أن تحقق كل ما حققته من نجاح وانتشار لو لم تمتلك جاذبيتها العالية التي تجعلها تتجاوز تقديم المعلومات والدفاع عن الحقائق العلمية الى واقع أن تكون تلك العلمية مغزولة من خيوط التشويق والعرض الآسر الجميل والقادر على منافسة الفضائيات الأخرى وتعميق علاقتها بالمشاهدين العرب على اختلاف توجهاتهم وآرائهم وحتى أمزجتهم الفردية.
الأمر يتعلق برهانها الجميل على فكرة تقديم موضوعات الحياة كلها استناداً الى تجريبية العلم وتحرره من طغيان التخلف وما يحمله بالضرورة من نكوص دائم نحو الماضي ونحو تفسير الظواهر الطبيعية بأسباب خرافية لا علاقة لها بالحقيقة من قريب أو بعيد. ففي فضاء عربي تجد فيه فضائيات قراءة الطالع حيزاً لها يتبعه بعضهم، تنهض «ناشيونال جيوغرافيك» في اتجاه معاكس تماماً في جهد جميل وجذاب لتأسيس ذهنية عربية تنتصر للحقيقة العلمية وتبحث تفاصيل حياتها اليومية عن تفسيرها العلمي المنطقي.
كم نحتاج اليوم الى تعميق هذا اللون من البث الفضائي العربي، ليس بهدف تأسيس قنوات أخرى منه فقط، ولكن كي يمكن الأجيال العربية القادمة أن ترى العالم والحياة في صورتهما الحقيقية التي تنتمي إلى الواقع وليس إلى الخرافة وما تؤسسه من بؤس على كل المستويات.
المصدر: جريدة الحياة
تعبيراتتعبيرات